رد: الأربعون النووية
الحديث الثالث والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال -لو يعطى الناس بدعواهم ، لا دعى رجال أموال قوم و دماءهم لكن البينة علىمن المدعي و اليمن على من أنكر - حديث حسن رواه البيهقي و غيره هكذا، وبعضهفي الصحيحين .
*الشرح :
قوله -لو يعطى الناس بدعواهم - أي : بما يدعونه على غيرهم ، و ليعلم أنإضافة الشيء على أوجه :
الأول :أن يضيف لنفسهشيئا لغيره ، مثل أن يقول - لفلان علي كذا - فهذا إقرار .
و الثاني :أن يضيف شيئا لنفسه على غيره ، مثلأن يقول - لي على فلان كذا و كذا - فهذه دعوى .
فهذا الثالث :أن يضيف شيئا لغيره على غيره ،مثل أن يقول - لفلان على فلان كذا و كذا - فهذه شهادة .
و الحديث الآن في الدعوى فلو ادعى شخص على آخر قال - أنا اطلب مائة درهم مثلا - فإنه لو قبلت دعواه لا ادعى رجالأموال قوم و دماءهم ، وكذلك لو قال لاخر - أنت قتلت أبي - لكان ادعى دمه وهذا يعني أنها لا تقبل دعوى إلا ببينة ولهذا قال - لكن البينة على المدعي- فإذا ادعى إنسان على اخر شيئاُ قلنا :أحضر لنا البينة والبينة كل ما بان به الحق سواء كانت شهوجا أو قرائن حسية أو غيرذلك .
و لهذا قال - لكن البينة على المدعي - فإذاادعى إنسان على آخر شيئا قلنا : احضر البينة ، و البينة كل ما بان به الحق سواء كانشهودا أو قرائن حسية أو غير ذلك .
- و اليمين على منأنكر- أي : من أنكر دعوى خصمه إذا لم يكن لخصمه بينة فإذا قال زيد لعمرو - أنا اطلب مائة درهم - قال عمرو : لا ، قلنا لزيد ائتببينة ، فإن لم يأتي بالبينة قلنا لعمرو : احلف على نفي ما ادعاه ، فإذا حلف برئ .
*و هذا الحديث فيه فوائد :منها أن الشريعةالإسلامية حريصة على حفظ أموال الناس و دماءهم لقوله -لو يعطىالناس بدعواهم لا ادعى رجال أموال قوم و دماءهم -
*و من فوائد هذا الحديث :أن المدعي إذا قام ببينة على دعواه حكمله بما ادعاه ، لقوله عليه الصلاة و السلام -لكن البينة علىالمدعي - و البينة كل ما بين به الحق و يتضح كما اسلفا في الشرح ، و ليستخاصة بالشاهدين أو الشاهد بل كل ما أبان الحق فهو بينة .
*ومن فوائد الحديث :أن اليمين على من أنكر أي : من أنكر دعوىالمدعي .
*ومن فوائده :أن لو أنكر المنكر و قال - لا أحلف - فإنه يقضي عليه بالنكول ووجه ذلك أنه إذا أبىأ، يحلف فقد امتنع مما يجب عليه فيحكم عليه به .
ــــــــــ
الحديث الرابع والثلاثون ...
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول -من رأى منكن منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان - رواه مسلم .
*الشرح :
قوله - من رأى - من هذهشرطية و هي للعموم ، قوله - رأى - يحتمل أن يكون المراد رؤيةالبصر، أو أن المراد رؤية القلب ، وهي العلم ، و الثاني أشمل و أعم ، و قوله -منكراً - المنكر هو : ما أنكره الشرع و ما حرمه الله عز و جل أ,رسوله ،
قوله -فليغيره بيده -اللام هذه للأمر أي : يغير هذا المنكر بأن يحوله إلى معروف ، إما بمنعه مطلقا أي : بتحويله إلى شئ مباح - بيده - إن كان له قدرة اليد .
قوله -فإن لم يستطع - أي : أن يغيره بيده
-فبلسانه - بأن يقول لفاعله : اتقي الله ، اتركه ، و ما أشبه ذلك
-فإن لم يستطع - باللسان بأن خاف على نفسه أو كانأخرس لا يستطيع الكلام
-فبقلبه - أي : يغيره بقلبهو ذلك بكرا هته إياه .
و قال - و ذلك أضعف الإيمان- أي : أن كونه لا يستطيع أن يغيره إلا بقلبه هو أضعف الإيمان .
*ففي هذا الحديث فوائد:وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات والمراتب باليد أولا و هذا لا يكون غلا للسلطان و إن لم يستطع فبلسانه و هذا يكونلدعاة الخير الذين يبينون للناس المنكرات .
*ومن فوائده :أن من لا يستطيع لا بيده ولا بلسانه فليغيره بقلبه .
*ومن فوائد هذا الحديث :تيسير الشرع و تسهيله حيث رتب هذهالواجبات على الاستطاعة لقوله -فإن لم يستطع -
*ومن فوائد هذاالحديث :أن الإيمان يتفاوت ، بعضه ضعيف و بعضه قوي و هذا مذهب أهل السنة والجماعة وله أدلة من القرآن و السنة على أنه يتفاوت .
وليعلم أن المراتبثلاث : دعوه – أمر - تغيير . فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد أو أماكن تجمعالناس و يبين لهم الشر و يحذرهم منه و يبين لهم الخير و يرغبهم فيه , و الآمربالمعروف و الناهي عن المنكر : هو الذي يأمر الناس و يقول افعلوا أو ينهاهم و يقول : لا تفعلوا . و المغير : هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره و نهيه
ــــــــــ
الحديث الخامس والثلاثون ...
عن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم - لا تحاسدوا ، و لا تناجشوا ، و لا تباغضوا و لا تدابروا ، و لا يبع بعضكمعلى بيع بعض ، و كونوا عباد الله إخوانا ، السلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله ،و لا يكذبه و لا يحقره ، التقوى ها هنا – و يشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ منالشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه - رواه مسلم .
الشرح :
قوله - لا تحاسدوا - هذا نهي عن الحسد ، و الحسد هو كراهية ما انعم اللهعلى أخيك من نعمة دينية أو دنيوية سواء تمنيت زوالها أم لم تتمن ، فمتى كرهت ماأعطى الله أخاك من النعم فهذا هو الحسد .
-و لاتناجشوا - قال العلماء : المناجشه أن يزيد في السلعة ، أي : في ثمنها فيالمناداة و هو لا يريد شراءها و إنما يريد نفع البائع أو الإضرار بالمشتري .
-و لا تباغضوا - البغضاء هي الكراهه ، أي : لايكره بعضكم بعضا
-و لا تدابروا - أن يولي كل واحدالآخر دبره بحيث لا يتفق الاتجاه
-و لا يبع بعضكم على بيعبعض - يعني لا يبيع أحد على بيع أخيه ، مثل أن يشتري إنسان سلعه بعشرة فيذهبآخر على المشتري و يقول : أنا أبيع عليك بأقل ؛ لان هذا يفضي إلى العداوة و البغضاء .
-وكونوا عباد الله إخوانا - كونوا يا عباد اللهإخوانا أي : مثل الإخوان في المودة و المحبة و الألفة و عد الاعتداء ثم أكد هذهالاخوة بقوله - المسلم أخو المسلم - للجامع بينهما و هوالإسلام و هو أقوى صله تكون بين المسلمين .
-لايظلمه - أي : لا يعتدي عليه .
-ولا يخذله - في مقام أن ينتصر فيه .
-و لا يكذبه - أي : يخبرهبحديث كذب .
-و لا يحقره - أي : يستهين به .
-التقوى ها هنا - يعني : تقوى الله تعالى محلهاالقلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح - و يشير إلى صدره ثلاث مرات - يعني : يقولالتقوى ها هنا ، التقوى ها هنا ، التقوى ها هنا .
ثم قال -بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم - بحسب يعني : حسب فالباءزائدة و الحسب الكفاية و المعنى لو لم يكن من الشر إلا أن يحقر أخاه لكان هذا كافيا .
-المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه - دمهفلا يجوز أن يعتدي عليه بقتل أو فيما دونه ذلك ،
-وماله - لا يجوز أن يعتدي على ماله بنهب أو سرقه أو جحد أو غير ذلك .
-و عرضه - أي : سمعته فلا يجوز أن يغتابه فيهتكبذلك عرضه .
*فوائد الحديث :النهي عن الحسد ، والنهي للتحريم ، و الحسد له مضار كثيرة منها :انه كره لقضاء الله و قدره ، ومنهاانه عدوان على أخيه ، و منها انه يوجب في القلب الحاسد حسره ؛ كلما ازدادت النعمازدادت هذه الحسرة فيتنكد على عيشه .
* ومن الفوائد :تحريم المناجشة لما فيها من العدوان على الغير و كونها سببا للتباغض وأسبابه ، فلا يجوز للإنسان أن يبغض أخاه أو أن يفعل سببا يكون جالبا للبغض .
*ومن فوائد الحديث :تحريم التدابر ، و هو أن يوليأخاه ظهره و لا يأخذ منه و لا يستمع إليه ؛ لان هذا ضد الاخوة الإيمانية .
*ومن فوائده :تحريم البيع على البيع المسام ومثله الشراء على شرائه و الخطبة على خطبته و الإجارة على إجارته و غير ذلك من حقوقه .
*ومنها :وجوب تنمية الاخوة الإيمانية لقوله - و كونوا عباد الله إخوانا -- و منها بيان حال المسلم مع أخيهو انه لا يظلمه و لا يخذله و لا يكذبه و لا يحقره ؛ لان هذا ينافي الاخوة الإيمانية .
*ومن فوائده :أن محل التقوى هو القلب ، فإذااتقى القلب اتقت الجوارح و ليعلم أن هذه الكلمة يقولها بعض الناس إذا عمل معصية وأنكر عليه قال : التقوى ها هنا و هي كلمة حق لكنه أراد بها باطلا و هذا جوابه أننقول : لو كان هنا تقوى لا تقت الجوارح لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول -ألا إن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كلهآلا وهى القلب-
*ومن فوائد هذا الحديث :تكرار الكلمة المهمة لبيان الاعتناء بها و فهمها ، قال -التقوى ها هنا-و أ شار إلى صدره ثلاث مرات .
* ومن فوائده :عظم احتقار المسلم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم -بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم-و ذلك لمايترتب على احتقار المسلم من المفاسد .
*ومن فوائد الحديث :تحريم دم المسلم و ماله و عرضه وهذا هو الأصل ، لكن توجد أسباب تبيح ذلك ؛ ولهذا قال الله سبحانه و تعالى [إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىالَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ][الشورى42] ... وقال تعالى [وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ][الشورى41]
* ومن فوائده :أن الأمة الإسلاميةلو اتجهت بهذه التوجيهات لنالت سعادة الدنيا و الآخرة لأنها كلها آداب عظيمة عاليةراقية ، تحصل بها المصالح و تنكف بها المفاسد .
ــــــــــ
الحديث السادس والثلاثون ...
عن ابي هريرة – رضي الله عنه قال- عن النبي صلى الله عليه و سلم قال -من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من مرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله فىالدنيا و الآخرة ، و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . و من سلط طريقايلتمس فيه علما سهل الله به طريقا الى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللهيتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهمالملائكة و ذكرهم الله في من عنده ، و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه-رواه مسلم بهذا اللفظ .
*الشرح :
قالالنووي – رحمه الله تعالى – في الأربعين النووية الحديث السادس و الثلاثون عن أبىهريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم قال -من نفسعن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة -- والكرب يعني : الشدة و الضيق و الضنك ، و التنفيس معناه : إزالة الكربة ورفعها ،وقوله -من كرب الدنيا - يعم المالية و البدنية و الأهلية والفردية و الجماعية .
-نفس الله عنه- أي : كشفالله عنه و أزال.
-كربة من كرب يوم القيامة - و لاشك أن كرب يوم القيامة أعظم و أشد من كرب الدنيا ، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كربالدنيا نفس الله عنه كربة من مرب يوم القيامة .
-ومن يسرعلى معسر- أي : سهل عليه أزال عسرته .
-يسر اللهعليه في الدنيا و الآخرة - و هنا صار الجزاء في الدنيا و الآخرة و في الكربكربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا .
-ومن ستر مسلما - أي : ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أودينيا أو دنيويا إذا ستره و غطاه حتى لا يتبن للناس .
-ستره الله في الدنيا و الآخرة- أي : حجب عيوبه عن الناس في الدنيا و الآخرة .
ثم قال صلى الله عليه و سلم كلمة جامعه مانعة قال -والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه - أي : ان الله تعالى يعينالإنسان على قد معونته أخيه كما و كيفا و زمنا ، فما دام الإنسان في عون أخيه فاللهفي عونه ، و في حديث آخر -من كان في حاجة أخيه كان الله فيحاجته -.
و قوله -من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهلالله له به طريقا إلى الجنة - يعني : من دخل طريقا و صار فيه يلتمس العلموالمراد به العلم الشرعي سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، لان الإنسان علم شريعةالله تيسر عليه سلوكها ، و معلوم أن الطريق الموصل إلى هو شريعته ، فإذا تعلمالإنسان شريعة الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة .
-و مااجتمع قوم قي بيت من بيوت الله- المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجدقال الله تعالى [ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَااسْمُهُ ...][النور36] و قال تعالى [ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوامَعَ اللَّهِ أَحَدًا ][الجن18] ... و قال : [ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَمَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... ][البقرة114] ... فأضافالمساجد إليه ؛ لأنها موضع ذكره .
قوله -يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم-يتلونه : يقرءونه و يتدارسونه أي : يدرس بعضهم على بعض ،
-إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهمالملائكة-نزلت عليهم السكينة يعني : في قلوبهم و هي الطمأنينة و الاستقرار ، و غشيتهم الرحمة : غطتهم و شملتهم
-و حفتهمالملائكة-صارت من حولهم . - و ذكرهم الله فيمن عنده-أي : منالملائكة .
-ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه-أي :من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه و لا يرفعه و لا يقدمه و النسب هوالانتساب إلى قبيلة و نحو ذلك .
*في هذا الحديث فوائد :الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم -من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يومالقيامة-.
*ومن فوائده :الإشارة الىيوم القيامة و أنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله [يَا أَيُّهَا النَّاسُاتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَاتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍحَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَاللَّهِ شَدِيدٌ ][الحج1-2]
*و من فوائد هذا الحديث :تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمينو يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد .
*و من فوائد الحديث :الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله صلى الله عليه وسلم -من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخر-و التيسير علىالمعسر يكون بحسب عسرته ؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا يوفي به يكون التيسيرعليه إما بإنظاره ، و إما بإبرائه و إبراؤه أفضل من إنظاره ، و التيسير على من أصيببنكبة أن يعان في هذه النكبة و يساعد و تهون عليه المصيبة و يعود بالأجر و الثوابوغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التي أصابت الإنسان .
*ومن فوائد هذا الحديث :الترغيب في سترالمسلم لقوله صلى الله عليه و سلم -من ستر مسلما ستره الله فيالدنيا و الآخر-و المراد بالستر : هو إخفاء العيب ، و لكن الستر لا يكونمحمودا إلا إذا كان فيه مصلحة و لم يتضمن مفسده ، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نسترعليه إذا كان معروفا بالشر و الفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثمفعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسانالمعروف بالشر و الفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منهما جرى هذا هو الذي يسن ستره .
*ومن فوائد هذا الحديث :الحث على عون العبد المسلم و أن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيهلقوله صلى الله عليه وسلم -و الله في عون العبد ما كان العبد فيعون أخيه-وهذه الكلمة يرويها بعض الناس : ما دام العبد و لكن الصواب ماكان العبد في عون أخيه كما قال صلى الله عليه وسلم .
*ومن فوائد الحديث :الحث على طلب العلم لقوله صلى الله عليهوسلم -من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلىالجنة-و قد سبق في الشرح معنى الطريق و أنه قسمان حسي و معنوي .
*ومن فوائد الحديث :فضيلة اجتماع الناس علىقراءة القران لقوله -و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلونكتاب الله .. الخ- .
* ومن فوائد الحديث :أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي : في مسجد منالمساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها .
*ومن فوائد الحديث :بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهمالسكينة و هي الطمأنينة القلبية و تغشاهم الرحمة أي : تغطيهم و تحفهم الملائكة أي :تحيط بهم من كل جانب و يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالىعن ملأ ، و قد قال الله تعالى في الحديث القدسي -من ذكرني في ملأذكرته في ملأ خير منهم- .
*من فوائد الحديث :أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله -من بطأ بهعمله لم يسرع به نسبه-
*ومن فوائد الحديث :أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه و أن يهتم بعمله الصالح حتى ينال بهالدرجات العلى .
ــــــــــ
الحديث السابع والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يريه عن ربهتبارك و تعالى قال -إن الله كتب الحسنات و السيئات ثم بين ذلك :فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة و إن هم بها فعملها كتبها اللهعنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، و إن هم بسيئة فلم يعملها كتبهاالله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة-رواهالبخاري و مسلم في صحيحيهما بهذه الحروف .
*الشرح :
الحديث السابع و الثلاثون عن ابن عباس – رضي الله عنه – عن رسولالله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى قال -إن الله كتب الحسنات و السيئات-إذا عبر الصحابي بمثل هذا التعبير أي عنالنبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه أو فيما رواه عن ربه فإنه يسمى عند أهل العلمحديثا قدسيا ،
و قوله -إن الله كتب الحسنات والسيئات-أي : كتب ثوابهما و كتب فعلهما فهو الذي كتب الحسنات ؛ لأن اللهتعالى حين خلق القلم قال له -اكتب قال : رب ، و ماذا اكتب ؟ قال :اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يومالقيامة-و ظاهر سياق الحديث أن المراد بهذه الكتابة الثانية ، و هي كتابةالثواب لقوله -ثم بين ذلك-أي : و ضحه بالتفصيل
فقال -فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةكالمة-الهم يعني : الإرادة ، أراد الإنسان أن يعمل حسنة و لكنه لم يعملها .
*ففي هذا الحديث فوائد :أن الله كتبها حسنةكاملة يعني : لا نقص فيها . و قد دلت الأدلة على أنه إذا هم بالحسنة فلم يعملها فإنكان عاجزا عنها أي : تركها عجزا بعد أن شرع فيها فإنه يكتب له الأجر كاملا لقولهتبارك و تعالى [.... وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًاإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ ... ][النساء100] . و أما إذا هم بها ثم عدل عنها لكسل أو نحوه فإنه كذلككما في هذا الحديث يكتب له حسنة كاملة و ذلك بنيته الطيبة ، قال -و إن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف على أضعافكثيرة-إذا هم بها و عملها وأحسن في عمله بأن كان مخلصا متبعا لرسول اللهصلى الله عليه وسلم فإن الله يكتبها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهذه المضاعفة تأتي بحسب حسن العمل و الإخلاص فيه و قد تكون فضلا من الله سبحانه وتعالى و إحسانا .
قال تعالى [مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَفِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ][البقرة261] و قال -و إن همبسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئةواحدة - و إن هم بسيئة فلم يعملها فإنه يكتب له حسنة كاملة و ذلك فيما تركهالله كما في بعض ألفاظ الحديث -لأنه تركها من جرائي-أي :من أجلي و قد دلت الأدلة على أن من هم بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاثأقسام :
القسم الأول :أن يحاول فعلها و يسعى فيهو لكن لم يدركه لأن يكتب عليه وزر السيئة كاملة
القسمالثاني :إن بها ثم يعزف عنها لا خوفا من الله و لكن لأن نفسه عزفت فهذايكتب له و لا عليه .
القسم الثالث :أن يتركهالله عز و جل خوفا منه و خشية فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة .
قال -و إن هم بها فعملها كتبها الله سيئة كاملة-و يشهد لهذا قوله تعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُعَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ....][الانعام160] و هذا الحكم بالنسبة للسيئة أي : أنها تكون سيئة واحدة فيمكة و غيرها و في كل زمن إلا في الأشهر الحرم و لكنها في مكة تكون أشد و أعظم لهذاقال الله تعالى [وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍنُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ....][الحج25]
و قال العلماء : إنالحسنات و السيئات تضاعف في كل زمن فاضل و في كل مكان فاضل و لا تضاعف بالعدد لقولهتعالى [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُأَمْثَالِهَا... ][الانعام160] و لهذا الحديث الذي ساقه المؤلف – رحمه الله – إن الله يكتبها سيئة واحدة .قال المؤلف : رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذهالحروف . أي : أن المؤلف – رحمه الله – ساقه بلفظه وأكد ذلك – رحمه الله – لما فيالحديث من البشارة العظيمة و الإحسان العظيم .
*ومن فوائدالحديث :حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن ربه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا .
* ومنفوائده :أن الله سبحانه و تعالى كتب للحسنات جزاء و للسيئات جزاء ، و هذامن تمام عدله و إحكامه جل و علا للأمور .
*ومن فوائدالحديث :أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائةضعف إلى أضعاف كثيرة ، و أما السيئة فواحدة .
*ومن فوائدهذا الحديث :الفرق بين الهم بالحسنة و الهم بالسيئة فالحسنة إذا هم بهاالإنسان و لم يعملها كتب الله عنه حسنة كاملة و هذا مما إذا تركها لغير عذر فإنهيكتب له الأجر كاملا أجر النية و إذا كان من عادته أن يعملها و لمكن تركها لعذرفإنه يكتب له الأجر كاملا أجر النية و العمل ؛ لحديث -من مرض أوسافر له ما كان يعمل صحيحا قائما- . أما السيئة فالهمام بها إذا تركها للهعز وجل كتبها الله عنده حسنة كاملة و إن تركها له و لا عليه ، و إن تركها عجزا عنهاكتب له وزر الفاعل بالنية إلا إذا كان قد سعى فيها و لكن عجز بعد السعي فإنه يكتبله عقوبة السيئة كاملة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -إذاالتقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار-قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال -لأنه كان حريصا على قتلصاحبه- .
ــــــــــ
الحديث الثامن والثلاثون ...
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -إن الله تعالى قال : من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليعبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه-رواهالبخاري .
*الشرح :
قوله - إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب-هذاالحديث حديث قدسي لأن النبي صلى الله عليه و سلم رواه عن ربه و كل حديث رواه النبيصلى الله عليه وسلم عم ربه يسمى عند العلماء حديثا قدسي . المعاداة ضد الموالاة ، والولي ضد العدو و أولياؤه سبحانه و تعالى هم المؤمنون المتقون و دليله قوله و تعالى [ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63]
و قوله -آذنته-يعني : أعلمته أي :إني أعلنت الحرب ، فيكون من عادى و ليا من أولياء الله فقد آذن الله تعالى بالحرب وصار حربا لله ، ثم ذكر تبارك و تعالى أسباب الولاية فقال -و ماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه-يعني : ما عبدني أحد بشيءاحب إلى مما افترضته عليه لأن العبادة تقرب إلى الله سبحانه و تعالى فمثلا ركعتانمن الفريضة أحب إلى الله من ركعتين نفلا ، و درهم من زكاة احب إلى الله من درهمصدقة ، حج فريضة أحب إلى الله من حج تطوع ، صوم رمضان أحب إلى الله من صوم تطوع ،وهلم جرى ولهذا جعل الله تعالى الفرائض لازمة في العبادة مما يدل على آكاديتها ومحبته لها .
-و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل-يعني : الفرائض و الفعل -لا يزال-يدل على الاستمرار يعني : و يستمر -عبدي يتقرب إلي بالنوافل-يعني : بعد الفرائضحتى أحبه الله ، -حتى-تحتمل هنا الغاية و تحتمل التعليلفعلى الأول يكون المعنى : أن تقرب إلى الله بالنوافل ويكون هذا التقرب سببا لمحبتهو الغاية واحدة ،
-فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به-أي : سددته في كل ما يسمع فلا يسمع إلا ما فيه الخير له و ليس المعنى أن اللهيكون سمع الإنسان لأن سمع الإنسان صفه من صفاته أي: صفات الإنسان محدث بعد أ، لميكن ، و هو صفة فيه أي : في الإنسان و كذلك يقال في بصره الذي يبصر به أي : أن اللهفيما يرى إلا ما كان فيه خير و لا ينظر إلا إلى ما كان فيه خير .
-و يده التي يبطش بها-يقال فيها ما سبق في السمع أي : أن اللهتعالى يسدده في بطشه و عمله بيده فلا يعمل إلى ما فيه الخير .
-و لئن سألني-أي : دعاني بشيء و طلب مني شيئا لأعطينه .
-و لئن استعاذني لأعيذنه-فذكر السؤال الذي بهحصول المطلوب ، و الاستعاذة التي بها النجاة من المهروب و أخبر أنه سبحانه و تعالىيعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل يعطيه ما سأل و يعيذه مما استعاذ .
من فوائد الحديث :و أعني الحديث الثامن و الثلاثين فيه فوائدأولا : إثبات الولاية لله عز و جل أي : أن لله تعالى أولياء و هذا قد دل عليهالقرآن الكريم قال الله تعالى : [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَاللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُواوَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63] .
*ومن فوائدالحديث :كرامة الأولياء على الله حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله بالحرب .
*ومن فوائد هذا الحديث :أن معاداة أولياء اللهمن كبائر الذنوب لأن الله جعل ذلك إيذانا بالحرب .
*ومنفوائد الحديث:أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة لقوله -وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه- .
*ومن فوائد الحديث :الإشارة إلى أن أوامر اللهعز وجل نوعان : فرائض ، نوافل .
*ومن فوائد الحديث :إثبات المحبة لله عز و جل لقوله -أحب إلي مما افترضتهعليه-و المحبة صفة قائمة بذات الله عز وجل ومن ثمراتها الإحسان إلىالمحبوب و ثوابه و قربه من الله عز و جل .
*ومن فوائدالحديث :أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها .
*ومنفوائد الحديث :الدلالة على ما ذهب إليه أهل السنة و الجماعة من أن الإيمانيزيد و ينقص لأن الأعمال من الإيمان فإذا كانت تتفاضل في محبة الله لها يلزم من هذاأن الإيمان يزيد و ينقص بحسب تفاضلها .
*ومن فوائد الحديثأن في محبة الله عز وجل تسديد العبد في سمعه و بصره و يده و رجله مؤيدا منالله عز وجل .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه كلماازداد الإنسان تقربا إلى الله بالأعمال الصالحة فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه واعاذته مما يستعيذ الله منه لقوله تعالى في الحديث -و لئن سألنيلأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه
ــــــــــ
الحديث التاسع والثلاثون ...
عن ابن عباس – رضي الله عنه – أ، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان ، و ما استكرهوا عليه-حديث حسن رواه ابن ماجه و البيهقي و غيرهما.
*الشرح :
قوله -تجاوز-بمعنى : عفا ، -الخطأ-فعل الشيء عن غير قصد ، -النسيان-ذهول القلب عن شيء معلوم ، و الاستكراه إلجاء الإنسان ، وهذه ثلاثة أشياء بينفيها النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تجاوز عن أمته هذه الأشياء الثلاثة و قد دلعلى ذلك القرآن قال الله تعالى [...رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَاإِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... ][البقرة286] فقال الله : قد فعللت ، وقال الله تعالى : [...وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَاأَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ... ][الأحزاب5] وقال تعالى [مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِإِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَبِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌعَظِيمٌ ][النحل106 .
*فيستفاد من هذا الحديث فوائد :
منها سعة رحمة الله عز وجل و أن رحمته سبقت غضبه ، و منها أنالإنسان إذا فعل الشيء خطأ فإنه لا يؤاخذ عليه و لكن إن كان محرما فإنه لا يترتبعليه إثم و لا كفارة و لا فساد عبادة و قع فيها ، و أما إن كان ترك واجب فإنه يرتفععنه الإثم و لكن لا بد من ترك تدارك الواجب .
*ومن فوائدالحديث :
أن من أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا يؤاخذ به لقوله -وما استكرهوا عليه-و هذا عام سواء كان الإكراه على فعل أوعلى قول و لا دليل لمن فرق بين الإكراه على الفعل و الإكراه على القول ، ولكن إذاكان الإكراه في حق آدمي فإنه يعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية مثل : أن يكره شخصاعلى قتل شخص آخر فإنه يقتل المكره و المكره لأن الإكراه لا يبيح قتل الغير و لايمكن و لا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره.
ــــــــــ
الحديث الأربعون ...
عن ابن عمررضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي رضي الله عنه فقال -كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابر سبيل-وكان ابن عمر رضيالله عنه يقول "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلاتنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لمماتك" رواه البخاري
*الشرح
الحديث الأربعون عن ابن عمر رضيالله عنهما قال -أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي-يعني : أمسك بمهما لأجل أن يسترعي انتباهه ليحفظ ما يقول فقال له -كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابر سبيل-الغريب : المقيم فيالبلد وليس من أهلها , أو عابر سبيل : هو الذي مر بالبلد , وهو ماشي مسافر , ومثلهؤلاء - أعني الغريب أو عابر سبيل - لا يتخذ هذا البلد موطناً ومستقراً , لأنهمسافر فأخذت هذه الموعظة من عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ما أخذت من قلبه ولهذاكان يقول -إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظرالمساء-يعني إذا أمسيت فلا تقول : سوف أبقى إلى الصباح كم من إنسان أمسىولم يصبح , وكذلك قوله -وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء-فكم من إنسان أصبح ولك يمسي ومراد بن عمر في ذلك : أن ينتهز الإنسان الفرصة للعملالصالح حتى لا تضيع عليه الدنيا وهو لا يشعر , قال -وخذ من صحتكلمرضك-يعني : بادر في الصحة قبل المرض فإن الإنسان ما دام صحيحاُ يسهلعليه العمل , لأنه صحيح منشرح الصدر منبسط النفس , والمريض يضيق صدره ولا تنبسطنفسه فلا يسهل عليه العمل .
-ومن حياتك لموتك-أي انتهز الحياة ما دمت حياُ قبل أن تموت لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله صح ذك عنالنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال-إذا مات الإنسان انقطع عملهإلا ثلاث : صدقة جارية , أو علمٍ ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له- .
*ومن فوائد هذا الحديث :أنه ينبغي للإنسان أنيجعل الدنيا مقر إقامه لقوله -كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابرسبيل- .
*ومن وفوائده:أن ينبغي للعاقل مادام باقياُ والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله , ومنها أنينبغي للمعلم أن يفعل الأسباب التي يكون فيها انتباه المخاطب لأن النبي صلى اللهعليه وسلم أخذ بمنكبي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما .
*ومن وفوائد الحديث :فضيلة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما حيثتأثر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــ
الحديث الحادي والأربعون ...
عن أبي محمد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ما قال قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم -لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاُ لما جئت به-حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
*الشرح:
قوله-لا يؤمن-أي لايؤمن الإيمان الكامل , وليس المراد نفي الإيمان بالكلية وقوله -حتى يكون هواه-أي : ميله وإرادته وقوله -تبعاُلما جئت به-أي : لما جاء به من الشرع فلا يلتفت إلى غيره , قال المؤلف :حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح .
*في الحديثفوائد منها :أن الإيمان قد ينفى عن من قصر في بعض واجبه فق قوله -لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاُ لما جئت به-وهذا موقوف علىما ورد به الشرع , فليس للإنسان أن ينفي الإيمان عن الشخص بمجرد أنه رآه على معصيةحتى يثبت بذلك دليل شرعي .
*ومن فوائد هذا الحديث :وجوب الانقياد لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
*ومنفوائده:أن يجب تخلي الإنسان عن هواه المخالف لشريعة الله .
*ومن فوائده:أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنةوالجماعة .
ــــــــــ
الحديث الثاني والأربعون ...
عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - قال الله تعالى : يا بن ادم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كانولا أبالي , يا بن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك , يا بن ادمإنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابهامغفرة - رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
*الشرح :
هذا الحديث من الأحاديث القدسية التي يريوها النبي صلى الله عليهوسلم عن ربه أنه قال جلال وعلا - يا بن ادم - الخطاب لجميعبني ادم
- إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك - , - ما - شرطية يعني : متى دعوتني ورجوتني .
- دعوتني - أي سألتني أن أغفر لك .
- رجوتني - رجوت مغفرتي ولم تيأس .
- غفرتلك - هذا جواب الشرط والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه , أي : أن الله يسترذنبك عن الناس ويتجاوز عنك فلا يعاقبك .
وقوله -على ما كانمنك ولا أبالي - يعني على ما كان منك من المعاصي وهذا يشهد له قوله تعالى ] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرحيم ]الزمر-53[
- يا بنادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء - يعني لو بلغت أعلى السماء
- ثم استغفرتني غفرت لك - يعني مهما عظمت الذنوب حتى لو وصلت السماءبكثرتها ثم استغفرت الله بصدق وإخلاص وافتقار غفر الله لك .
" يا بن ادم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاًلأتيتك بقرابها مغفرة " قرابها يعني قرب ملئها إذا لقي الإنسان ربه عزوجلبقراب الأرض أي : ملئها أو قربه خطايا لكنها دون الشرك ولهذا قال "ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مفغرة " وهذا يدل علىفضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب.
*في هذا الحديث منالفوائد :أن الإنسان مهما دعا الله بأي شيء ورجا الله في ألا شيء إلا غفرله .
*ومن فوائده :بيان سعة فضل الله عزوجل .
*ومن وفوائده :أن الذنوب وإن عظمت إذا استغفرالإنسان ربه منها غفرها الله له .
*ومن فوائد هذا الحديث :فضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب وقد قال تعالى -إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ...] النساء-48[ ... فنسأل الله تعالى أ، يعمنا جميعاًبمغفرته ورضوانه وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب .
وإلى هنا انتهى شرحالأربعون النووية المباركة التي نحث كل طالب على على حفظها وفهم معناها والعملبمقتضاها , والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .
** ولا تنسونا من دوعائكم الصالح بالهداية والثبات على الحق