لحظة اللقيا بهذا الشهر لحظة ساخنة ، عسير على الأقلام نقل تفاصيلها الحميميَّة ، وما دام الشوق لاهبا فإنَّ لحظات هذا اللقاء لا تبارح صاحبها طيلة عمره ..
فها هو يتقلب في أيام هذا الشهر متحسرا على الدقيقة التي مضت ، والساعة التي ذهبت وهو لم يبنِ بها سلما إلى الله ، أو طريقا إلى موجِده ومولاه . إنَّ لحظة الألم لا تدوم عند المؤمن فهو أيضا لا يغادره الفرح نشوةً بمباشرة الطاعة ولزوم العبادة ، وها هي أيام الشهر تتوالى أيامها ، ينقض بعضها بعضا كأنما هي حبات رمل تذروها الرياح ، والسعيد من أبقى من هذه الأيام لآخرته ما يرفع درجته وينقذه من حسرة الخسران وغصص الحرمان .
ما قلبت طرفي في هذا الشهر إلا وجدت الخير مدرارا في دمعة نقية ، وعبرة متكسرة ، وعمل في وجوه البر لا ينقطع ، وإقبال كثيف نحو الغفور الرحيم ، حتى صار انحسار الشر في نفوس الناس أكبر بكثير من دأب المفسدين على بثه في الأجواء عبر الفضائيات ومختلف الشبكات .
إنه هذا الواقع يغري باستجماع القوى لمخاطبة هذه الفطر السويَّة بالخطاب الرباني الجليل ، ويستحثُّ الهمم لادخار الأوقات في نشر الخير ودعوة الناس إليه ، وهكذا يجب أن يكون المؤمن تجاه إخوانه يسقي بعذبهم الأرض الطيبة فما تلبث أن تثمر الطيب اللذيذ من نعم اله التي لا تحصى ، فيما يطرح هو عنها الحشائش الضارة والشوك القاسي والمؤثرات الخطيرة ، كل ذلك بيد حانية وقلب رحيم وبسمة تعطر وجهه .